رمضان شهر الطيران تاليف الحسيني الطاهر
في العش الذي بناه أبوينا نشأت أنا وأخي عصفورين صغيرين كنا نرصد أبوينا يلهثان بالنهار ليجمعا لنا الحبة تلو الحبة ليقذفوها إلينا في مناقيرنا الصغيرة كبرنا شيئا فشيئا وبدا الزغب الأصفر ينزل ويحل محله الريش.جاء ميعاد المهمة الأساسية جاء ميعاد تعليم الدرس الأقوى كيفية الطيران.لقد أصر والداي على تعليمنا الطيران الأمر الذي بدا لي شبه مستحيل .
منذ لحظة ميلادي الأولى أراقب والدايَّ وهما يطيران في الفضاء ذهابا وإيابا وأحاول أن أستوعب ذلك الأمر بعقلي لا استطيع .
ترى كيف سأطير؟ وهل من الممكن أن أحلق في الهواء؟
ودائما كان جوابي إن الأمر شبه مستحيل .
ولما حان الميعاد قالا لي والديَّ:-
* هيه.. هيا اضرب بجناحك في الهواء فلتحلق في هذا الفضاء الرحب انت وأخوك يا ولدي.
- أبي أمي عذرا أنا لا استطيع الطيران.
ضحك والدي وضحكت أمي أكثر وقلا لي:-
* هيا هيا لا تضع الوقت أمامنا أعمالا أخرى.
- أبي لا استطيع أنا أنا أنا ....
* أنت ماذا يا بني؟
- أنا مريض؟
* أنت تتمارض هيا؟
كانت كلماته تصعقني وكانت خيبة كبيرة اشعر بها وإحساس عميق بالفشل يحاوطني قبل أن ابدأ.
منذ لحظات نجح أخي الأصغر في التحليق في الهواء أكثر من عشرون ثانية الجميع صفق له وجميع العصافير صاحت فرحا.
جاءني والدي ثانية الم يأن يا ولدي لك أن تستجمع قواك محلقا من أكوام القش هذه التي تحيط بك. أجبته
-يا والدي هذا بيتنا ومأوانا وكم فيه لاعبتنا وكم فيه لاعبت أخي الأصغر أنا لا أريد مغادرته أبدا.
-كيف يا ولدي والرزق والطعام والتزاوج إنها رحلة الحياة التي تبدأ بالتحليق إلى السماء.
نظرت إليه ميئساً وقاطعا له كل أمل.
تركني والدي وهو منصرف عني يائس وسمعته يحادث أمي قائلا ان حالته تستلزم شيخ العصافير.أسفت أمي لذلك وقالت أحاول أنا معه مرة ثانية قال لها لا فهو عنيد جدا.
يومان وكان عندنا شيخ العصافير كان منظره وقورا و وقارته يحفها جمال وبهاء.
اقترب مني الشيخ وقال لي يا ولدى أحقا رفضت الطيران.
لم يمهلني الجواب وقال لي يا ولدي هل سألت نفسك يوما لماذا نصنع اعشاشانا بعيداَ من أمنا الأرض وهي التي منها خرجنا واليها سنعود ومنها رزقنا ورزق كل حي.
جال في خاطري أن أبادره بأنني لا استطيع الطيران فوجدت الر جل يبادرني ثانية
أي بني تزعم انك لا تجيد الطيران وأنت خلقت له أصلا فهل هناك مغزى أخر لحياتك .
يا ولدي أنت أرضى حقا ولكنك ابن الفضاء الفسيح حلق بأجنحتك لن يسقطك من الهواء إلا سوء ظنك ترفع عن دنس الخوف من السقوط وبينما هو كذلك أزاحني عن مكاني فصرخت .
أنا اهوي إلى الأرض أبي أمي شيخنا.........
تركوني وحدي ماذا افعل ماذا افعل رأيت في أعينهم من بعيد
ابتسامة حانية حيرني فزعي وابتسامتهم وحينما التفت بطرف عيني عرفت السبب صدقوني أنا أطير لم أقع مثل أخي بل أنا مازلت محلقا في الهواء رجعت العش ثانية شكرت أبي وشكرت أمي وشكرت شيخنا شيخ العصافير وحفرت في عقلي الوصية أنه:
(لم يخلق الله لي الجناحان عبثا حاشاه فمراده منهما أن أطيرولا أطير بالجناحين فهما مجرد سببا إنما هي قدرة الله تنزه عن النظير).